يافطة قامة بتعليقها مستأجر قديم أمام بيته منذ حوالي أسبوع – منطقة الأشرفية
صدر قانون الإيجارات الجديد ليحرر عقود الإيجارات القديمة وفق خطة مدتها ٩ سنوات، يرتفع خلالها قيمة بدل الأيجار تدريجيا ليتوافق مع بداية السنة السادسة مع سعر السوق. ضغطت مجموعة من المالكين -التي شكلت نقابة مؤخرا – بإتجاه إصدار هذا القانون، وما زالت لتضمن نفاذه المرتقب في ٢٨/١٢/٢٠١٤. أما لجنة الدفاع عن حقوق المستأجرين فقد عملت مع مجموعة حقوقيين ومهندسين لإبطال القانون الجديد وعلى أساسه قدم عشر نواب مراجعة للطعن في القانون وفقاً لعدة أسباب تتعلق بظروف نشره في الجريدة الرسمية، بمخالفته لمبدأ المساواة والعدالة الإجتماعية والحق في االسكن ومبدأ الثقة العامة بالقانون.
أين أصبح القانون الإيجارات المطلوب وقف العمل فيه وإبطاله؟
(المنشور في ملحق العدد ٢٧ من الجريدة الرسمية بتاريخ ٢٦ حزيران ٢٠١٤
والذي صوت عليه المجلس النيابي في ١ نيسان ٢٠١٤):
الطعن:
في ٢١/٧/٢٠١٤، قدم عشر نواب (عبد اللطيف الزين، أغوب بقرادونيان، قاسم هاشم، الوليد سكرية، زياد أسود، نديم الجميل، نواف الموسوي، بلال فرحات، ايلي ماروني، فادي الهبر) طعن الى المجلس الدستوري (محمد بسام مرتضى، صلاح مخيبر، سهيل عبد الصمد، توفيق سوبرة، زغلول عطية، أنطوان خير، انطوان مسره، أحمد تقي الدين، طارق زيادة، عصام سليمان (رئيس المجلس)).
بعد مداولة محتدمة – خالف خلالها محمد بسام مرتضى، أنطوان مسرة وصلاح مخيبر قرار إبطال البند الذي قد يعطل نفاذ القانون (أقله في الموعد المحدد) – قرر المجلس الدستوري بالأكثرية:
- ١- رد مراجعة الطعن لجهة الأسباب التالية:«إصدار القانون ونشره واقراره بمادة وحيدة. ولجهة العدالة الإجتماعية والمساواة والأمان التشريعي والحقوق المكتسبة وحرية التعاقد.»
ولكن المجلس ألقى المسؤولية على السلطة التشريعية والإجرائية في تأمين العدالة الإجتماعية والمساواة من خلال قوانين وسياسات تدرك ان أهم مستلزمات العيش الكريم هو توفير المسكن.
- ٢- «إبطال المواد ٧ و١٣ والفقرة ب-٤ من المادة ١٨ من القانون المطعون فيه» – اي الطعن بدستورية اللجنة ذات الصفة القضائية التي لا تتوافر فيها أي مواصفات تخولها الفصل في نزاع ذي طبيعة قضائية - وهو الخلاف على بدل المثل (الإيجار) ومراجعة طلبات المستفيدين من الصندوق - ولا ضمانة لإستقلاليتها.
هل القانون نافذ؟
السؤال يبقى إذا كان القانون نافذا أم غير نافذ بعد إبطال مواد فيه. فالمواد التي صار إبطالها جوهرية وتعرقل تطبيق القانون. ليس هنالك حتى الآن جواب حاسم في هذه النقطة. فرئيس المجلس الدستوري، عصام سليمان، لا يمكنه تحديد الوضع الحالي للقانون، ولكنه يعتبر أن الحيثيات التي وردت في نص مراجعة الطعن الذي صدر عن المجلس الدستوري أهم من إصدار قرار في عدم دستورية القانون الجديد. فالحيثيات الواردة في النص من أهمية الفقرة الحكمية، إذ إنها رسمت الخارطة التشريعية للعدالة الإجتماعية والحق في السكن. بذلك تكون لطابة قد عادت الى ملعب السلطة التشريعية، أي المجلس النيابي.
أما وزير العدل فيقول بأنه معلق لحين صدور قرار من هيئة الاستشارات في وزارة العدل (المخولة في أصدار الأحكام) وهيئة القضايا في وزارة العدل أيضاً (المخولة في الاستئنافات)، والموعد المرتقب هو ١٥ أيلول.
في حين أن عضور لجنة الإدارة والعدل غسان مخيبر إعتبر خلال إجتماع مع المالكين أن القانون نافذ، وأن على االجنة (روبير غنم، نوّار الساحلي، الوليد سكرية، إميل رحمة، إيلي عون، إيلي كيروز، سمير الجسر، سيرج طورسركيسيان، عبد اللطيف الزين، علي خريس، عماد الحوت، غسان مخيبر، ميشال الحلو، نديم الجميل، نعمة الله أبي نصر، هادي حبيش، هاني قبيسي) إجراء التعديلات في المواد التي طعن فيها المجلس الدستوري قبل ٢٨/١٢/٢٠١٤ (موعد نفاذ القانون) أو تمديد موعد التنفيذ. ولكنه بعد الأجتماع مع لجنة الدفاع عن حقوق المستأجرين طلب منهم أن يقدموا مشروع تعديلات لمواد القانون التي طلبوا الطعن فيها من المجلس الدستوري.
إشكالية نفاذ القانون في صيغته الحالية:
باشرت نقابة المالكين بإرسال بيانات وإملاء صفحات الجرائد بتقنية تنفيذ القانون من قبل المستأجر والمالك معاً – مع العلم أن نفاذ القانون لم تقره أي جهة رسمية حتي الآن. فهنالك عدة إشكاليات يطرحها هذا القانون، منها ما هو متعلق بالناحية القضائية للبت في النزاعات التي ستنشأ بين المالك والمستأجر كما بتحديد المستفيدين من صندوق المساعدات، ومنها متعلق بمصير المستأجرين فور صدور القانون ومصير المدينة ككل.
فبعد الطعن بدستورية اللجان القضائية التي كانت ستتشكل بموجب هذا القانون - وإذا لم يتم تشكيل أي صيغة دستورية بديلة – يبقى القاضي المنفرد المخول الوحيد في إصدار الأحكام. في بيروت يوجد ٦ قضاة منفردين لن يتمكنوا من إدارة كل عقود الإيجارات في بيروت (والتي تقدر بـما يعادل ٤٣ ألف عقد أيجار بحسب إحصاء ٢٠٠٤). كما أن القاضي المنفرد الذي يتبع أصول المحاكمات المدنية، لا يستطيع تحديد المستفيد من الصندوق ولا يمكنه الحكم وفق مواد أبطلت من المجلس الدستوري! فكأن القضاء أصبح في موقع الإجتهاد! فمن هذه الناحية القانون غير قابل للتطبيق.
أما الأهم ومن ناحية التأثير المباشر على حياة عشرات الآلاف من العائلات، فالقانون سيسبب في خسارة مساكن المئات من العائلات فور صدروه، دون توفير أي خطة سكنية بديلة. فبموجب القانون الجديد كل من ورث عقد إيجار بعد عام ٩٢ يُعتبر عقد إيجاره لاغياً. أما بدل الإيجار الذي تحدد بـنسبة ٥٪ من قيمة المأجور- خلافا للبدل الرائج القائم الذي لا يتجاوز ٢.٥ في المئة – فهو يفوق قدرة نسبة كبيرة من المستأجرين، الأمر الذي سيؤدي الى تشريد الآلاف تحت وطأة العجز.
فإذا كانت القيمة البيعية للمأجور ٤٠٠ ألف دولار مثلاً، يصبح بدل الإيجار ٢٠ ألف دولار في السنة:
يدفع المستأجر ١٥٪ عن كل سنة في السنوات التمديدية الأربعة الأولى (أي ٣ آلاف دولار في السنة الأولى، ٦ آلاف في السنة الثانية، ٩ آلاف في السنة الثالثة، ١٢ ألف في السنة الرابعة) و٢٠٪ عن كل من السنتين الخامسة والسادسة من الفترة التمديدية (أي ١٦ آلاف دولار في السنة الخامسة و٢٠ ألف دولار في السنة السادسة). إذاً، يبلغ بدل الإيجار في السنة التمديدية السادسة قيمة بدل الإيجار المثل الذي حدده القانون والذي يرتكز على ضعف ما هو رائج في السوق وليس على قدرة ذوي الدخل المحدود أو حتى الطبقة الوسطى من المستأجرين.
هذا الواقع له تأثيره أيضاً على المستأجرين وفق قانون الإيجارات الجديد – الذي يسري مفعوله على العقود التي أبرمت بعد عام ١٩٩٢- والذين يجدون صعوبة في إيجاد مساكن لائقة بأسعار تناسب مداخيلهم. كما أن الأمر الذي تتجاهله صيغة الـ ٥٪ أن معظم المستأجرين القدامى أصبحوا أم سيصبحون في سن التقاعد في بلد لم يؤمن لهم أي ضمان شيخوخة. يدفع المستأجر قيمة بدل المثل من السنة السادسة حتى السنة التاسعة التمديدية، وبنهايتها يصبح الإيجار حراً، أي يستطيع المالك إخلاء المأجور من دون أي نوع من التعويض. الإشكالية هنا أن التعويض هو بمثابة ضمانة للمستأجرين عند الإخلاء في إيجاد مسكن بديل في ظل غياب سياسات تأمن الحق في السكن. علاوة على ذلك فإن فرصة الإيجار التملكي التي بلورها مشاريع قوانين سابقة والتي تمنح المستأجر الحالي أولوية تملك بيته لم تعد مطروحة في النسخة الحالية من القانون.
من ناحية أخرى ففي حال نفاذ القانون الجديد للإيجارات القديمة ستتوفر لتجار البناء أراضي في المدينة كانت محجوبة في السابق عن سوق العقارات. مما يعني أن المدن الرئيسية وخصوصا بيروت ستشهد حركة بناء أعنف مما هي عليه اليوم، تستبدل أبنية منسجمة مع تاريخ المدينة بمجمعات سكنية وتجارية فخمة وضخمة، يغيب عنها من سكن أحيائها على ما يقل عن ٢٤ سنة. من هنا يمكننا القول في أن القانون الجديد يصب في سياسة إخلاء المدينة من ذوي الدخل المحدود والطبقة الوسطى، طمس تاريخها وتحويلها الى أبراج يسكنها الأغنياء. نتائج هذا الأمر يقع تأثيره ليس فقط على المستأجرين القدامى ولكن على كل سكان المدينة.
طرح البديل: مشروع تعديلات على القانون يترافق مع نقاش عام عن الحق في السكن
نظريا يستطيع المجلس النيابي أن يقر مشروعاً معدّلاً في كل المواد الواردة في القانون الجديد وعدم الإكتفاء بتعديل المواد التي حكم في عدم دستوريتها المجلس الدستوري. خصوصاً بأن المجلس الدستوري قدم مداخلة غنية لا سابقة لها عن وجوب السلطتين التشريعية والاجرائية في رسم سياسات ووضع قوانين تحقق السكن للائق للمواطن ولا تكتفي بوضع قانون ينظم العلاقة بين المؤجر والمستأجر. في هذا السياق، استجاب النائب غسان مخيبر، بعد زيارة لجنة الدفاع المستأجرين له، لمبدأ تقديم مشروع تعديلات الى المجلس النيابي لدراسته. عملياً يحتاج هذا المشروع الى دعم عام ليواجه سياسات السلطة التي تحاك وفق مصالح شخصية ضيقة وخطاب مسيطر عن أولوية حق الملكية، حرية التعاقد وعصرنة المدينة على حساب المصلحة العامة، الحق في السكن والإيجار العادل. من هذا المنطلق نحتاج الى نقاش عام يبني على لحظة تاريخية في الجدل القائم حول نسف قانون تم العمل به لمدة ٧٣ سنة طالما أن «الخطة السكنية الشاملة» لم تُنجز بعد. وإن كان قانون الإيجارات ضمانة لإنجاز الخطة المنشودة، إلا أنه الآن يتم التخلي عنه وعن مبدأ مسؤولية الدولة في تأمين الحق في السكن في آن.
تحويل مشروع التعديلات الى نقاش عام يشكل فرصة لإعادة تفعيل سياسات مبنية على اولوية المصلحة العامة والحق في السكن.